المصدر :نداء الوطن
لا تكفي الأزمات الداخلية التي يعيشها العهد والسلطة الحاكمة حتى تضاف إليها أزمات تداعيات تدخل «حزب الله» في حروب المنطقة. لم تكد تنتهي أزمة وزير الإعلام جورج قرداحي بتقديم استقالته حتى أتت الأزمة الجديدة مع الإعلان الصاعق من قوات «التحالف العربي» حول دور «حزب الله» في الحرب اليمنية بانتظار الأجوبة التي يمكن أن تبحث عنها هذه السلطة المنهارة. كانت هذه السلطة تنتظر كيف يمكن أن تعيد فتح العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج ولكن المتحدث الرسمي باسم التحالف العربي العميد تركي المالكي عاجلها بشحنة من الوقائع التي تنتظر الأجوبة عليها. المالكي قال أمس «إن حزب الله الإرهابي لا يمثل الشعب اللبناني وهو سرطان في لبنان أثر على اللبنانيين بالدرجة الأولى، ونشاطه الإرهابي امتد إلى خارج لبنان ونشر الدمار في المنطقة والعالم، ويتحمل المسؤولية في استهداف المدنيين في السعودية واليمن».
المالكي عرض مشاهد لمواقع في مطار صنعاء قال ان «حزب الله» يستخدمها للتدريب ومخازن للمسيرات وشريط فيديو يكشف تورط قيادي في الحزب وهو يعطي توجيهاته للقيادي الحوثي أبو علي الحاكم لاستهداف السفن في البحر الأحمر. هذا الإعلان يأتي بعد الإعلان السعودي الفرنسي المشترك إثر زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وطالبا فيه بتطبيق القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 واستعادة السيادة اللبنانية ونزع سلاح "حزب الله" من دون أن يكون هناك أي موقف من السلطة الحاكمة سوى العجز عن مواجهة هذا الواقع. كلام المالكي لا يمكن أن يكون إلا حلقة في سلسلة التطورات التي تشهدها المنطقة خصوصاً بعدما تكرر الإعلان الفرنسي السعودي المشترك في مواقف معظم الدول العربية الخليجية.
ما أعلنه المالكي لن يكون من الصعب على هذه السلطة نفيه باعتبار أنها تهرب دائماً من كل الإتهامات المتعلقة بنشاط "حزب الله". وهو بالطبع سيزيد الأمر تعقيداً على رئيس الجمهورية ميشال عون الذي وعد اللبنانيين بالكلام الليلة. فهو غاب عن الكلام المباشر والمعلن بعدما تسببت له أكثر من مناسبة بعكس ما أراد له المستشارون والمقربون. غاب الرئيس عن الكلام في الذكرى الخامسة لتوليه سدة رئاسة الجمهورية لأنه لم يكن عنده شيء ليخاطب به اللبنانيين في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، والتي كانت قاصمة وقاسية في خلال السنوات الخمس من عهده. ماذا كان لدى الرئيس ليقوله في تلك الذكرى؟ هل كان ليتحدث عن إنجازات؟ وعن سقوط الوعود بالتغيير والإصلاح؟ أم عن حكومة العهد الأولى التي أرادها بعد انتخابات العام 2018؟ أم عن حكومة الرئيس حسان دياب وتفجير مرفأ بيروت؟ أم عن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ومنعها من الإنعقاد منذ 12 تشرين الأول الماضي، بعدما اقتحم وزير الثقافة صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة في تلك الجلسة وأسمعهما مع سائر الوزراء درساً في شل الدولة وفي تهديد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار؟
ماذا لدى الرئيس ليقوله اليوم بعدما كان أجّل الكلام؟ وهو كان تلقى نصائح بعدم الإطلالات المباشرة. مرة في لقائه الصحافي التلفزيوني تحدث عن اللبنانيين وقال إن من لا يعجبه حكمه والوضع في البلد يمكنه أن يهاجر. ومرة ثانية في لقاء مع الصحافة تحدث عن أننا ذاهبون إلى جهنم. قال رئيس الجمهورية كلاماً واضحاً في محاولته رد تعديلات مجلس النواب على قانون الإنتخاب. وعندما سقطت محاولته ذهب نواب تكتله النيابي إلى الطعن أمام المجلس الدستوري. ومرة ثانية سقطت المحاولة ولكنها كشفت عورات كثيرة من سيرة العهد و"التيار الوطني الحر" لا يمكن أن يحكي عنها الرئيس. هل يقول أن هناك صفقة كان يتم العمل عليها تتناول قبع القاضي طارق البيطار من خلال تغيير مجلس القضاء الأعلى مقابل قبول الطعن بتعديلات قانون الإنتخابات؟ هل يمكنه أن ينفي ما قاله الوزير جبران باسيل عن اتصال تلقاه قبل مؤتمره الصحافي بعد "لاقرار" المجلس الدستوري مقابل التصويت لمصلحته في الطعن؟ هل كان يقبل أن يتم تطيير مجلس القضاء الأعلى وتعيين مجلس جديد على طريقة تعيين أعضاء المجلس الدستوري مثلاً؟ لو قبل باسيل هل كان العضوان الشيعيان في المجلس صوتا مع الرد وسقطت التعديلات؟ هل هذه هي دولة المؤسسات التي يريد الرئيس أن يحكي للبنانيين عنها؟
هل يريد الرئيس أن يحدث اللبنانيين عن انقلاب كبير في الأشهر العشرة الباقية من عهده؟ هل يكرر لهم أنه يريد أن يسلم البلد أحسن مما استلمه؟ هل يحدثهم عن الكهرباء وعن عتمة 24 على 24؟ أم يشكو عرقلة التدقيق الجنائي؟
هناك أكثر من صورة للرئيس عون في بال الناس. ولكن الثابت فيها أنه لا يمكن توقع ما يمكن أن يفعله عون. لا يمكن أن تحلل منطقياً أفعالاً لا تستند إلى المنطق. في 14 آذار 1989 كان هناك من يتوقع أن يهاجم عون المجلس الحربي وقيادة "القوات اللبنانية" في الكرنتينا. ولكنه أعلن حرب التحرير. وفي 31 كانون الثاني 1990 لم يكن أحد يتوقع أن يبدأ بشن حرب الإلغاء ولكنه شنها. وفي 13 تشرين لم يكن أحد يصدق أنه يترك قصر بعبدا ولكنه فعل ولجأ إلى السفارة الفرنسية. وفي أواخر العام 2004 لم يكن أحد ينتظر منه أن يعقد اتفاقاً مع النظام السوري للعودة إلى لبنان بعد أقل من عام على كلامه في الكونغرس الأميركي حول المطالبة بقانون معاقبة سوريا ولكنه فعل. ولم يكن أحد يتوقع أن يذهب إلى تحالف مع "حزب الله" بعدما كان يشهر سيف العداوة لسلاحه ويتهمه بأنه خارج عن الشرعية ولكنه فعل. ولم يكن أحد يتوقع أن يتفق مع رئيس حزب القوات سمير جعجع من أجل انتخابه رئيساً للجمهورية ولكنه فعل ولم يكن أحد يتوقع أن ينقلب على هذا الإتفاق ولكنه فعل.
الذين ينتظرون من الرئيس عون اليوم انقلاباً على تحالفه مع "حزب الله" قد يكونون مخطئين. فالرئيس عون لن يتكلم عن سيادة الدولة في لبنان. وربما سيكرر أن الجيش اللبناني غير قادر على حماية لبنان وأن المقاومة هي التي تساعد وتقوم بالواجب. والرئيس عون لن يتحدث عن تحرير قرار الرئاسة ولا عن حياد لبنان كما طالب البطريرك الراعي. والرئيس عون لن يحكي عما أعلنه أمس التحالف العربي في حرب اليمن عن «سرطان» حزب الله الإرهابي ودوره في هذه الحرب وعن أدلة تورطه وعن نشره الدمار في المنطقة والعالم، وتحميله المسؤولية في استهداف المدنيين في السعودية واليمن، فهو لا يهمه ما يفعله "حزب الله" خارج لبنان بل يعتبر أن الحزب لا يستعمل سلاحه في الداخل ويحترم القرار 1701.
الرئيس مثلاً لا يمكنه أن يقول أي متى سيجتمع مجلس الوزراء. ولا متى يمكن أن يتم الإتفاق مع صندوق النقد الدولي ولا متى يبدأ زمن الخروج من جهنم. يخاف من استمرار التحالف مع "حزب الله" ويخاف من الخروج منه. خائف على عهده وخائف على صهره. لا يمكنه أن ينقلب على نفسه وعلى نهجه.
في الأشهر العشرة الباقية من العهد لا يستطيع ميشال عون أن يقلب المعادلة التي بناها. وهو سيمهد ربما باستطلاع مبكر لما سيعلنه رئيس "التيار الوطني الحر" في 2 كانون الثاني المقبل. ربما في محاولة مزايدة لاستقطاب شارع مسيحي صار بعيداً عنه وسعياً إلى تحسين نتائجه الإنتخابية في ظل معادلة صعبة تتعلق بعمق العلاقة مع "حزب الله" في وقت يصير التحالف مع الحزب مقتلة سياسية والإبتعاد عنه انتحار. بين المقتلة والإنتحار على الرئيس وتياره الإختيار.