TRT عربي
أعلنت السلطات المحلية لجزيرة أوركني، الواقعة في أقصى الساحل الشمالي لاسكتلندا، يوم الثلاثاء، أنها تدرس مقترح الانفصال عن المملكة المتحدة والانضمام إلى العرش النرويجي. وهو قرار يأتي، حسب سلطات الأرخبيل، رداً على إهمال كلٍّ من إدنبرة ولندن مطالب واحتياجات السكان هناك.
وترفض لندن قبول هذا القرار الذي، إضافةً لمساسه بسيادتها، يضعها في متاعب استراتيجية، إذ يحرمها من موطئ قدم في البحر المتجمد الشمالي، المنطقة التي تشهد في السنوات الأخيرة تنافساً دولياً شرساً، لما تزخر به من موارد طبيعة وتمنحه من معبر بحري قد ينافس قناة السويس. وهو ما ينذر بأزمة أوروبية حول الأرخبيل الصغير.
نريد مغادرة بريطانيا!
وصادق المجلس المحلي لجزر أوركني، يوم الثلاثاء، على قرار بحث بدائل حكم أكثر استقلالية للجزر، عوض سيادة المملكة المتحدة. وطلب المجلس رفع تقرير إلى الرئيس التنفيذي لأوركني حول خيارات الحكم، مما قد يؤدي إلى إحياء مجموعة استشارية حول الإصلاح الدستوري للجزر دون الحاجة إلى التصويت، حسبما نشرت شبكة "بي بي سي".
ويعود الحديث عن إعادة نظر سلطات الأرخبيل لعلاقاته مع لندن وإدنبرة إلى يوم الجمعة، حين صرّح رئيس المجلس جيمس ستوكان، لإذاعة "بي بي سي اسكتلند"، محتجاً أن أوركني لا تحصل على تمويل عادل عبر ارتباطها الحالي بالمملكة المتحدة، متهماً في ذلك الحكومة الاسكتلندية بالتقاعس.
وقال ستوكان: "التمويل الذي نحصل عليه من الحكومة الاسكتلندية هو أقل بكثير لتلبية حاجات السكان وتشغيل الخدمات العامة، لا يمكننا الاستمرار في نفس الوضع (...) نحن نكافح حقاً في الوقت الحالي، يتعين علينا استبدال أسطول العبّارات بأكمله، نحن محرومون من الامتيازات التي تحصل عليها المناطق الأخرى مثل دعم أسعار النقل بالعبارات".
واقترح رئيس المجلس أن يكون لأوركني مستقبل مثل جزر الفارو، وهي جزر تتمتع بحكم ذاتي كامل تحت السيادة الدنماركية. فيما أشار تقرير لـ"رويترز"، إلى أن خطة مجلس الجزيرة تتضمن أيضاً الانفصال عن المملكة المتحدة والانضمام إلى النرويج.
ورفضت الحكومة البريطانية الحديث عن أي تغيير للوضع القانوني لأرخبيل أوركني في الوقت الراهن، وهو ما صرح به متحدث باسم رئيس الوزراء، يوم الاثنين، قائلاً: "في الأساس، نحن أقوى كمملكة متحدة واحدة، وليست لدينا خطط لتغيير ذلك. ليست لدينا أي خطط لتغيير تسوية حول السيادة على الأرخبيل".
في الوقت نفسه، وبشأن قرار الانفصال، أوضح عضو مجلس أوركني، ليزلي مانسون، مطمئناً: "نحن نستكشف الأمر، ولكننا ما زلنا بعيدين عن اتخاذ القرار (...) لم ننظر بعناية في الخيارات حتى الآن، لكن التصويت (على قرار دراسة خطة الانفصال) هو خطوة أولى نحو مغادرة المملكة المتحدة". وأكد مانسون أن إحدى المهام الأولية، بعد التصويت، ستكون التواصل مع النرويج.
وتحفظت الخارجية النرويجية على التعليق على الأمر، واكتفى المتحدث باسمها بالقول: "هذا شأن داخلي بريطاني ومسألة دستورية محلية. ليس لدينا رأي بخصوص هذا الاقتراح".
ماذا يعني انفصال أرخبيل أوركني؟
يتكوّن أرخبيل أوركني من نحو 67 جزيرة، تمتد على بُعد 16 كيلومتراً من السواحل الشمالية الاسكتلندية. ولا يقتصر ارتباط هذا الأرخبيل البريطاني بالنرويج على التشابه الكبير بين عَلَمه والعَلم النرويجي، بل يمتد ذلك تاريخياً إلى كونه أراضي نرويجية أُهديت إلى العرش البريطاني قبل ما يزيد على 500 عام.
وما زال سكان أوركني يحافظون على ارتباطهم الثقافي بالنرويج. وفي 17 مايو/أيار 2020، احتفل مجلس الأرخبيل باليوم الوطني للنرويج، برفع راية المملكة جنباً إلى جنب مع راية الأرخبيل على المباني العامة.
وللأرخبيل أهمية استراتيجية بالغة بالنسبة إلى المملكة المتحدة، على رأسها احتياطيات النفط التي تحويها مياهه. واكتُشفت هذه الاحتياطيات في سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وأنتجت أوركني خلال العقد الأخير فقط ما يناهز 28 مليون برميل.
علاوة على ما عرفته مياه أوركني خلال السنوات الأخيرة، من نشاط كبير لبناء محطات الطاقة الريحية وتوربينات إنتاج الكهرباء عبر حركة الأمواج. وفي شهر مارس/آذار الماضي، صادق مجلس أوركني على تشييد ثلاث محطات طاقة ريحية، من شأنها أن تزوّد 2.5 مليون منزل في اسكتلندا وبريطانيا بالكهرباء النظيفة.
كما يعد أرخبيلا أوركني وشتلاند موطئ القدم الوحيد للمملكة المتحدة في البحر المتجمد الشمالي، والذي يشهد مؤخراً منافسة دولية شرسة بعد أن صبح ممكناً استغلاله اقتصادياً وعسكرياً للملاحة، جراء ذوبان جليد القطب الشمالي إثر ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
ويرجّح أن يصبح بحر الشمال الطريق البحرية المنافسة لقناة السويس، في ربط الدول المصنِّعة في شرق آسيا بالمواني الأوروبية. حيث تتقلص المسافة على طول خط البحر الشمالي من الصين إلى مواني أوروبا بنحو 40%، مقارنةً بالطريق الذي تقطعها السفن المارّة عبر قناة السويس.
وبالتالي، وفق مراقبين، قد يحرم انفصال أوركني المملكة المتحدة من أن تكون طرفاً في معادلة البحر المتجمد الشمالي الاقتصادية والجيوستراتيجية.